كتب بلال الذنيبات
مجلة الأمن العام العدد 404 /يناير 2021
*كورونا .. عملية التثاقف العالمية :
شهد أردننا الحبيب ، أزمة ذات بعد عالمي تختبر الثقافة المعولمة للأردنيين ، (فيروس كورونا)، الذي أودى بتبعات اجتماعية و ثقافية مستحدثة عالميا ، بالضد من قيم الاجتماع و هي التقارب الإنساني ، و فرض إجراءات "التباعد الاجتماعي - الجسدي المستجد ثقافيا"، إذ أثبت العالم استحالة تراجعه عن ثقافة العولمة لحساب التباعد للوقاية من مرض سريع الانتشار كفيروس كورونا، بدليل انتشار المرض ، و فشله بمختلف قواه الاقتصادية و الحضارية و الثقافية على تطبيق إجراءات العزل العام فبالرغم من أن المرض أصاب الملايين إلا أن العالم لم يتمكن من كبح جماحه نظراً للخوف على التنمييتين الناجزتين الاقتصادية و الحضارية.
و هذا ما ولد سلوكيات و ثقافات "تكييفية" للوضع الجديد، مقاومة للردة عن العولمة الثقافية و الحضارية و الاقتصادية ، و تلك السلوكيات و الثقافات تنوعت تبعاً للمجتمعات و الدول كل حسب ظروفه كمجتمعات فرعية من المجتمع الكوني.
و للأردن .. كمجتمع فرعي تجربة فريدة على كافة الصعد ، في هذه العملية التثقافية الطارئة التي تفرضها جائحة كورونا ببعديها الثقافي و الحضاري أخذت بعين الاعتبار قيم المجتمع الأردني الأصيلة.
و برزت سلوكيات اجتماعية تعكس تلك القيم في إطار عملية التثاقف العالمية للتكيف مع الجائحة منها صور الجند و الشباب يقدمون أعمالاً تطوعية من توزيع للمؤن و مساعدة لمن تقطعت بهم سبل العيش ترجمة لقيم الكرم في المجتمع ، يبذلون ما يستطيعون لإيصال المساعدة لطالبيها و تأمين المحجور عليهم بالمؤن ، بما يعكس قيم التكافل الاجتماعي و التضامن الإنساني كإرث أردني هاشمي أصيل.
و من منظور علم اجتماع الثقافة ، يمكن تفسير عودة ظاهرة لبس الكمامة و الزواج بلا مراسم لاحقا - كما أدعي - إلى الواجهة ، و ربما يظن أحدهم أن الإجراءات الرسمية هي السبب ، و لكن يمكن أن ندعي أن الجرعة الجديدة من كورونا الأردنية بعد منتصف آب ،أعادت مشاعر الخوف للناس و خاصة مع تزايد الحالات ، بدليل التزام الناس بالكمامة من دون الضابط الرسمي "دورية الأمن ..الغرامة تحديداً".
*الإغلاق العام .. ثقافات و سلوكات مستجدة:
ترك الإغلاق العام المستجد ثقافياً ، خبرات متباينة في المجتمع ، منها ارتفاع منسوب التكافل و الشعور الجمعيين مع الفئات الضعيفة ، بما يترجمه الاندفاع لمساعدة من فقد مصدر رزقه بسبب الظروف المستجدة المصاحبة للجائحة فكانت همة وطن من قبل الأردنيين انعكاساً للتكافل كمعزز للصمود بوجه التحديات ، و تاريخياً فإن المجتمع الأردني يواجه التحديات بالتكافل و الوحدة الوطنية بكل أطرافها أفرادا و مؤسسات.
و كنتاج للتوجيهات الملكية السامية، و خصائص الشباب الأردني الوثابة للريادة و التفرد بالفكر و السلوك ، عُززت روح المبادرة بينهم ، مما أفرز فكرة تطبيق أمان ، و الذي أنتج بأيدٍ أردنية لها حضورها الإقليمي في مجال التكنولوجيا و الذي نما بصورة لافتة خلال العقد الماضي بدعم من لدن جلالة الملك و سمو ولي العهد .
و دأبت مديرية الأمن العام ، في ظل توجه قيادة الجهاز ممثلة بمدير الأمن العام اللواء الركن حسين الحواتمة، نحو الريادة و الابتكار و استحداث نماذج إعلامية جديدة ، في توظيف التقنيات المتاحة و حالة الإغلاق العام ، لتصوير أجمل المناظر الطبيعية الأردنية عبر طائرة درون ، الأمر الذي لاقى ردود فعل محلية و خارجية إيجابية تعزز التجربة الإعلامية لتسويق الأردن كوجهة سياحية متفردة في العالم العربي تضاف إلى قيم الاستقرار و الأمن الناجز.
*الاقتصاد "المال و الأعمال" كتبعة للجائحة .. الأردن نموذجاً:
استكمالاً لتفرد النموذج الأردني، و بدعم من القيادة الهاشمية الواعية ، خاض الاقتصاد الأردني تجربة التحول نحو الإنتاج ، و خاصة في قطاعي الغذاء و المستلزمات الطبية ، نتيجة تصارع العالم عليها مطلع العام 2020م، بسبب المرض خاصة الكمامات وملابس الكوادر الطبية و في الواقع نجح بلدنا، ليس فقط الاكتفاء منهما ، بل و الوصول لمرحلتي التبرع - كقيمة أردنية - و التصدير للعالم .. الأمر الذي انفرد فيه الأردن عن دول عظمى عجزت عن المواجهة في هذه الحرب العالمية ضد كورونا الجائحة تحديداً.
فقد فاد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين هذه الأزمة بحرفية عاليةً ، ليس فقط لتخرج الأردن بأقل الخسائر بل و من أجل استغلال الفرص التي خلقتها الأزمة للأردن كالتوجه نحو المحافظ الإلكترونية وتبادل المال عبرها، مما خلق فرص عمل إضافية مقابلة لفرص مهددة بالزوال مثل محلات الصرافة مثلا!!.. إذ أن وظائف المستقبل تتجه إلى التكنولوجيا منذ عقود ، إلا أن الجائحة سرعت هذه الوتيرة.
*الأسرة .. نتائج التثاقف الكوروني - الأردن نموذجاً:
شهد ثقافة الزواج تغيراً في بعض الجوانب كالاقتصاد في تكاليف الزواج و الفرح كدرس سلوكي ليس فقط في مرحلة الكورونا إذ أن الناس باتوا أكثر وعياً بجدوى تخفيف مصاريف الزواج لذا عُدت فرصة ثقافية لتخفيف التكاليف إذ أن كورونا و ظروفها علمتنا أنه لا مستحيل إذا أردنا التغيير.
و عززت تجربة العمل عن بعد فرص التحول للعمل من المنزل، بما في ذلك من تخفيف كلف التشغيل و بمردود إنتاجي أعلى خاصة تلك الوظائف التي نجحت بالعمل عن بعد والخدمات التي يمكن إدامتها عن بعد دون الحاجة لمبنى.
ولكن الجيد في الأمر ، أن للزمن دوراً في المستقبل بتحديد حركة الناس سواء نتيجة الظروف الصحية أو الاقتصادية أو متطلبات العمل ،و منح الأسرة وقتا للتلاقي بعدما كان مستلبا كنتاج لمشاغل الحياة اليومية، وسيعزز من التواصل بين الآباء و الأبناء ، ويمنح الجميع وقتا لإعادة صياغة العلاقات في إطار الأسرة و القرية / الحي / العمارة ، مما يعزز قيم الجيرة.
وفجرت ظروف كورونا الطاقات الكامنة ، فرأينا شبابنا يعملون فيديوهات ستاند آب كوميدي تبث صوريوميات الكورونا في أسرهم ، و آخرون تعلموا فنون الطبخ وغيروا ديكورات بيوتهم ، بما يعكس الذائقتين الغذائية و الجمالية ، ومنهم من شعر بقيمة الأكل الصحي في البيت ، للهروب من آثار الجلوس على رشاقة الجسم و زيادة الوزن ،كنتيجة سلبية لها آثار نفسية خاصة على السيدات ، و آخرون أبرزت الفرصة إبداعه الأدبي ، مما جعل من الجائحة فرصة بغض النظر عن مساوئها الصحية و النفسية.
تعليقات
إرسال تعليق