القائمة الرئيسية

الصفحات

"التوجيهي..الأهالي أمام القاعات"



الرأي-بلال الذنيبات

بدأت منذ سنوات، سلوكيات تترافق مع تقدم طلبة الثانوية العامة "التوجيهي"، لاختباراتهم في قاعات مركزية، كما ارتأت الحكومة، تمثلت بوجود أهالي الطلبة أمام بوابات القاعات، بغية انتظار أبنائهم، ما يسبب مشاكل في محيط القاعات، أبرزها الفوضى والصخب، ما ينعكس على الجو العام في القاعات.

والمشكلة هُنا استمرارية هذا السلوك، ولكن ربما بات يرقى إلى مستوى "العادة المجتمعية"، مع التأكيد على عدم التعميم، ما يعطينا مؤشر تربوي، حيال مستوى ثقة الأهالي بقدرة أبنائهم على الخروج من خارج إطار المجتمع المحلي، ويعبر عن ضعف بناء الأسرة لدى هؤلاء الشباب القدرة على ممارسة حياتهم خارج إطار المجتمعات المحلية لهم.

توجد بعض القاعات في مواقع بعيدة عن القرى وهي مرتبطة بشبكة نقل، ولكن هل الأهالي يثقون بأبنائهم؟، وهل لا زالت بعض الأسر تقوم بدور حمائي زائد عن الحد الطبيعي..ربما يكون ذلك صحيحًا، خصوصًا وأن من مفرزات "الدلال المفرط"، ليونة شخصية الناشئة، حد غياب القدرة على ممارسة المناشط بدون الشعور بتلك الحماية، وهذا كان موجودًا ولا زال، وفق دراسات تربوية خلال العقدين الأخيرين، ونحن نعيش في الجيل الذي تعرض لمثل هذا النوع من التربية.

"هل هذا السلوك تعبيرًا عن خشية أمنية ما؟"

بالحقيقة نعم، يمكن أن يكون للمخاوف الأمنية من قبل الأهالي على الأبناء انتهاج هذا السلوك الحمائي، ولكن ليس لأن الأردن يعيش في حال من عدم الأمن-لا قدر الله، فالأردن كجغرافيا لم يكن أكثر أمانًا مما هو عليه الآن.

وهذا الشعور النفسي، ليس حقيقي، وغير مرتبط بحالة البلاد والمجتمع، بقدر ما هو مرتبط بالشعور بعدم الأمن، والناجم عن ما تقدمه وسائل الإعلام من جرائم وأخبار تمنح الشعور النفسي بعدم الأمن، ويترجم ذلك خشية على الأبناء من المهددات الأمنية الموهومة، والتي هي في وضع صحي  من منظور نسبوي، فأي مجتمع لديه مشاكل أمنية، ولا يستدعي ذلك الخوف.

"هل هذا صحي من الناحية التربوية؟"

ليس صحيًا، فسواء أكان الأمر حقيقي أم متوهم، فأن قيام التربية الأسرية، على مبدأ عدم الثقة، والحماية الزائدة، بمثابة خطر على شحصية الشباب، وتحول من يتعرض لهذا النوع من الحماية، لعدم القدرة على الانخراط في الحياة التي تتطلب المنافسة ولا تحترم الخائف والمتردد الباحث عن الحماية.

فمن أعتاد على الحماية، وتواجد الأسرة الدائم في محيط حياته، يستعصي عليه التعامل مع الحياة بغيابها، في مراحل متقدمة، وهذا ما يفسر تحول الجامعات إلى مكان يتجمع فيه كتل الطلاب من ذوي القربى.

وتمثل المرحلة العمرية لطلبة "التوجيهي"، محطة عمرية مفصلية في حياة الإنسان، فالامتحان بصورته ليس مجرد امتحان تحصيلي، بقدر ما هو ترجمة لنحو 16 سنة من التربية والتنشئة والبناء الشخصي والعلمي المعرفي، وبقاء بعض الأهالي أمام القاعات، قد يعني ضعفًا في شخصية الأبناء، ونقصًا ناجم عن تلك الحماية الزائدة، والتي لا تترك مجالاً لتحمل المسؤولية واتخاذ القرار، والقدرة على التعامل مع التحديات من قبل الأبناء لهم، ما يتطلب مواجهة صعوبات تربوية لاحقة، تنعكس على نوعية الجيل وقدرته على التعامل مع الحياة.

تلك الحماية الزائدة، هي ذاتها "إلى جانب عوامل أخرى"، تساهم في فقدان مبدأ الجرأة لدى الشباب، على خوض معترك الحياة، والاستجابة لتحدياتها، والركون إلى الدعة والتقليد هربًا من تحمل نتائج الخروج عن الطوق العائلي-المجتمعي القرابي، على وجه الخصوص.

يعبر أحد الأباء مثلاً، عن خشيته من مشاركة أبنه ذو 12-13 عامًا، في نشاطات ترفيهية ومعرفية داخل إطار المحافظة- وخارج المجتمع المحلي، مُعللاً ذلك بالحماية له من المشاكل التي قد يتعرض لها في حال خرج من المجتمع المحلي المألوف، وتجد أخر ذات العمر يمارس نشاطًا قياديًا في مبادرة أو عمل مجتمعي ما، إن التربية والتعليم المنزليين، ومنح الثقة والتدريب منذ النشء، إلى جانب عدم ممارسة الحماية المفرطة والخوف الزائد، هي بعض من تلك العوامل التي أفرزت التناقض بين الحالين.

الأولى ربما ستواجه مشاكل وتحديات في مسألة تكافؤ الفرص، ونيل سبل المعرفة المتاحة في المحافظة، بينما الأُخرى، ستتمكن من الاستحواذ على ما يقدم لها من فرص، خصوصًا إذ ما كان الحوار والتعليم والمتابعة-غير المرتبطة بالخوف- هو السائد.

إن جزء من  المشاكل في حياة الشباب اليوم، هي ناجمة عن عدم الثقة بالنفس، والشعور بالصدمة بعد فقدان تلك الحماية، ما يترجم عدم التصرف بسوية، والتبعية للقوي طمعًا بالمحافظة على الحماية، وهي نتائج مبررة، بعدم القدرة على إعادة تشكيل الشخصية بصورة تبعدها عن إطارها المرسوم منذ المراحل العمرية التي تسبق البلوغ.

"التوجيهي" ومنذ ما قبل ظهور هذا السلوك كان-ولا زال-، هاجسًا نفسيًا مُرعبًا بالنسبة للطلبة، وهذا السلوك الذي أعقب القاعات المركزية كإجراء حكومي تنظيمي بحت، فاقم من هذا الحاجز.

"طلبة" قالوا أنهم يشعرون بنوع من الطمأنينة، مع تواجد ذويهم في محيط القاعات، والتي تشهد حضورًا أمنيًا وإجراءات تشكل للبعض-صدمة، فوق فوبيا الامتحان أساسًا، ولكن أخرين يرون فيه مزيدًا من خلق جو الضغط.

وكلاهما محق، فالأول ربما لم يتعرض لاختبارات في ثقته بنفسه، وقدرته على التعامل مع التحديات، والأخر يشكل الصخب بالنسبة له مبعث قلق يزيد من حالة توتر الامتحان.

والسلوك ذاته، يترجم الفشل في صناعة شخصية واثقة من نفسها، وقادرة على التعامل مع ظروف الحياة، وتكون بحاجة للشعور بوجود الأهل في المحيط عند الاختبارات الحياتية صعبة، ماذا لو حدثت ظروف حياتية عادية، أبعدت الشاب-الفتاة عن أهلها كيف تتصرف؟

ومشكلة "غياب الثقة بالنفس"، والحاجة للحماية، تنعكس على حياة الفتاة والشاب بنفس الدرجة، كل حسب ظروفه ووظائفه في المجتمع وما يُطلب منه في الحياة.

(8-7-2024)

أنت الان في اول موضوع

تعليقات