بلال الذنيبات
نشر في صحيفة الرأي بتاريخ 9-12-2024
تشهد الساحة الإعلامية الوطنية، جدلية منذ سنوات، وتعاظمت مع تطور "الأدوات الإعلامية"، ما بعد ظهور اليوتيوب والمواطن الصحفي، إلى جانب هذا الإقبال على الممارسة الإعلامية المتخصصة، وتحت مسميات "دخلاء المهنة"، تُثار تساؤلات هوياتية، عمن هم المستحقين للقب "صحفي" أو "إعلامي".
وهنالك من يرى أن الإعلامي، هو من يعمل في الإذاعة والتلفزيون، والصحفي بالصحيفة أو الموقع الالكتروني-في أحسن الأحوال، في حين لا يعترف بتأثير اليوتيوبر والتيكتوكر، وصناع المحتوى عبر الميديا، ما يحرمهم من صناعة هويتهم في ظل تطور مشهدي منذ أزيد من عقد، في أدوات الإعلام.
وهذا الصراع، هو يشبه إلى حدٍ ما، أصوات المهنيين الذين فقدوا مهنهم، أو هددت نتيجة التطور التكنولوجي المتسارع، مع أن الدول تتجه نحو الاعتراف بالأدوات الجديدة من الإعلام، وبات يركز عليها، مثلا في الولايات المتحدة، وظف الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الإعلام الجديد في حقبته الأولى والثانية، وسمحت جمهورية مصر العربية، لأحد القنوات على اليوتيوب، في إجراء مقابلات مع رسميين، في السفارة الأمريكية، ومقابلة أخرى أجريت مع المبعوث الأمريكي، في ملف السودان، منذ أشهر.
وهذا الجو يخلق نوعًا من التنافس، فكمتابع مثلاً، ومن منظور علم اجتماع الإتصال، فإن الكاريزما وإسلوب العرض، هما أكثر أهمية من المحتوى ذاته، فربما ينجح شخص يستخدم تعليقات متوازنة بين الجدية والفكاهة في إيصال الرسالة، ويعجز أخر مفرط بالجدية، في فعل ذات الفعل.
ونحن اليوم نعيش في متغيرات متسارعة، ربما نقول أن الأردن، بقي في دائرة الصراع بين الجيل الكلاسيكي في الصحافة والإعلام، والذي هو ليس متخصصًا بالصحافة كله، وبعضه خلفيته أدبية واجتماعية وحتى بلا أي خلفية أكاديمية، في حين يلجم الشّباب، بقيود تقيد فكرة صناعة المحتوى، مع غياب المؤسسات المؤهلة للتدريب على صناعة المحتوى الرقمي، وربما ضعف انتشارها، ما سبب بعدم إنتاج صناع محتوى إخباري مثلاً يوصل رسالة الدولة للجمهور.
ففي حين نجحت مصر، في صناعة يوتيوبر يحمل الرسالة المصرية، ويدافع عن وجهة النظر المصرية، لم أرصد في حدود إطلاعي، مُنافسًا، يحمل الرواية الأردنية، والتي بقيت حبيسة المؤسسات التقليدية، والمستعرضين.
ومع نجاح الكوميديان الأردنيين، ولكن الكوميديا ليست كل شيء، فلم نرى-غاية الساعة، محتوى إخباري مثلاً، يقدم تحليلات وقراءات وحقائق، تدافع عن الرسالة الأردنية، وترتقي بمدركات المشاهد الأردني، فيما يجري حوله، عبر تقنيات اليوتوب والتيك توك.
إن معظم اليوتيوبر الأردني، نجحوا في مجالات الأسرة، والتربية، ولكنهم لم ينجحوا في تقديم محتوى تحليلي إخباري جاذب، ينافس النموذج المصري على سبيل المثال، أو يجري مقابلات جادة مع مسؤولين، وبروح ريادية جديدة، مع أن بعض الصحف اليومية، عملت على إنتاج محتوى رقمي، لكن الاستمرارية كانت غائبة، ولم يسوق لها بالصورة الكافية، وكانت عقلية الإعلام التقليدي هي السائدة فيها.
من الصادم مثلاً، أن يبقى هنالك، من يفكر بأنه من الممكن تحجيم مؤلف ما، عبر قرار منع التداول، في حين مثل هذا القرار، بات أمنية للكاتب، والذي ينجح في تسويق كتابه بفضل هذا القرار، عبر الإنترنت، وكأن الرقيب الذي يمنع التداول، يعطي دفعة للمؤلف كي ينتشر، عبر تحريك "الفضول العلمي" لدى الناس المهتمين بالقراءة، ما يزيد من نسبة تحميل المؤلف عبر الإنترنت، وبدلاً من أن يكون الكتاب مركونا بالمكتبات، يبات مطلوبا عبر أرفف الإنترنت.
ويأتي أحدهم يقول، أن هنالك إنفلاتًا في المشهد الإعلامي، مبعثه قليلوا الخبرة، ومن لا يملكون المعرفة بأدوات البحث العلمي والمعلوماتي، والعاطفيين، والذين تحركهم غرائزهم لا مهنية تؤطرهم، ولا رسالة هم يحملون، وهذا ليس بالتهميش والمطالبة بالإخراج من الساحة يجابه، بل بالتعليم والتدريب والتنظيم.
الغث في الإعلام، لا يؤثر، ولا يستمر صانع المحتوى غير الجاذب، وحتى لو كان صناع المحتوى، يصنعون محتوى ما دون المستوى بالنسبة للبعض، ولكن الإقبال عليه، يترجم الذائقة الخاصة بجمهورهم، ويمكن مواجهة المحتوى القليل الجودة، بالمنافس الذي يتفوقه جودة ومضمونا، أما العويل والصراخ، لا ينجب أي فائدة، بل يخدم مبدأ الفضول، ويسوق لهذا المحتوى.
الكثير من صناع المحتوى غير الهادف، لاقوا شهرة واسعة، نتيجة التعرض للإنتقاد والصراخ في وجوههم عبر الميديا، ولكن لو لم يواجهوا هذا الكم من الاهتمام، لما أستمروا، ولما ذاع صيتهم.
تبقى جدلية الهوية، أزمة حقيقية في المجتمعات التقليدية، والتي تعاني من التغير البطيء، في مدركاتها وأدواتها وحياتها المهنية، وهذه تكثر في الشرق، سيما وأنها مجتمعات مستهلكة، والمستهلك يحتاج فترة حتى يستوعب التغيير، هي فترة الانبهار والصدمة بالمنجز الجديد، ولكن المجتمعات الصناعية، هي وحدها المؤهلة لاستيعاب التغيير بشكل أسرع.
تعليقات
إرسال تعليق